أسرار أركان الصلاة وآدابها 1 |
في المقارنات
وهي ثمانية:
الأولى: القيام ووظيفة القلبية.
تذكر أنك قائم بين يدي الله تعالى وهو مطلع على سريرتك عالم بما تخفي وما تعلن وهو أقرب إليك من حبل الوريد فاعبده كأنك تراه، فإن لم تكن فإنه يراك.
وانصب قلبك بين يديه كما نصبت شخصك وطأطئ رأسك الذي هو أرفع أعضائك، مطرقاً مستكيناً.
وألزم قلبك التواضع والخشوع والتذلل، والتبري عن الترؤس والتكبر كلما وضعت رأسك.
وقم بين يديه قيامك بين يدي بعض ملوك الزمان، وإن كنت تعجز عن معرفة كنه جلاله، فإنك تجد وجداناً ضروياً أنك تنقهر عند مكالمة الملك ومحاورته، وتلزم معه السكون والخضوع.
وربما يتبع ذلك رعدة البدن وتلعثم اللسان ومنشأ ذلك كله الخوف الحادث عند تصور عظمته فكيف يتصور جبار الجبابرة، وملك الدنيا والآخرة؟ فعند ذلك يحصل لك الخوف الذي هو المقصد الذاتي من المعارف، وكذلك يحصل الرجاء عند تصور عظمته، واستشعار أن الكل منه، فإن ذلك باعث على رجائه، وقد تأكد ذلك بالآيات الواردة في باب الخوف والرجاء فكذلك يستلزم ذا الحياء منه لأن المتصور عظمة الأمير لا يزال مستشعراً تقصيراً ومتوهماً ذنباً وذلك الاستشعار والتوهم يوجب الحياء من الله تعالى، وهذه أمور مطلوبة من العابد بل قدر في دوام قيامك في صلاتك أنك ملحوظ ومرقوب بعين كالئة من رجل صالح من أهلك وممن ترغب أن يعرفك بالصلاح, فغنه تهدأ عند ذلك أطرافك, وتخشع جوارحك وتسكن جميع أجزائك خفية أن ينسبك ذلك العاجز المسكين إلى قلة الخشوع.
وإذا أحسست من نفسك بالتماسك والثبات عند ملاحظة عبد مسكين فعاتب نفسك وقل لها: يا نفس تدعين معرفة الله تعالى أفما نستحين من اجترائك عليه، مع توقيرك عبداً من عباده.
أوتخشين الناس ولا تخشينه وهو أحق أن يخشى؟
ألا تستحين من خالقك ومولاك إذا قدرت اطلاع عبد ذليل من عباده عليك، وليس بيده خيرك ولا نفعك ولا ضرك وخشعت لأجله جوارحك وحسنت صلاتك.
ثم إنك تعلمين أنه مطلع عليك فلا تخشعين لعظمته، أو أهون عندك من عبد من عباده؟ فما أشد طغيانك وجهلك، وما أعظم عداوتك لنفسك!.
ولذلك لما قيل للنبي كيف الحياء من الله تعالى؟ فقال النبي تستحي منه كما تستحي من رجل صالح من قومك.
v في أسرار القيام
وأما دوام القيام فهو تنبيه على إدامة القلب مع الله تعالى على نعت واحد من الحضور، قال النبي: (إن الله مقبل على العبد ما لم يلتفت).
وكما يجب حراسة العين والرأس من الالتفات إلى غير الصلاة فكذلك يجب حراسة السر عن الالتفات إلى غير الصلاة، فإن التفت على غيرها فذكره باطلاع الله تعالى عليك، وقبح التهاون بالمناجى مع غفلة ظاهراً ليعود إلى التيقظ. وألزم الخشوع الباطن فإنه ملزوم الخشوع ظاهراً ومهما خشع الباطن وخشع الظاهر.
قال النبي (ص) وقد رأى مصلياً يعبث بلحيته: ( أما هذا لو خشع قلبه لخشعت جوارحه) فإن الرعية بحكم الراعي. ولهذا ورد في الدعاء: اللهم أصلح الراعي والرعية. وهو القلب والجوارح.
وكل ذلك يقضيه الطبع بين يدي من يعظم من أبناء الدنيا فكيف لا يتقاضاه بين يدي ملك الملوك وجبار الجبابرة؟ ومن يطمئن بين يدي غير الله تعالى خاشعاً ثم تضطرب أطرافه بين يدي الله تعالى فذلك لقصور معرفته عن جلال الله تعالى وعن اطلاعه على سره وضميره.
وتدبر قول تعالى: ﴿الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ** وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾
v في وظائف النية وأسرارها
الثاني في النية: ووظيفتها العزم على إجابة الله تعالى في امتثال أمره بالصلاة وإتمامها والكف عن نواقضها ومفسداتها وإخلاصها من جميع ذلك لوجه الله تعالى رجاء ثوابه وطلب القربة منه، وإن عجزت عن مرتبة عبادته لكونه أهلا للعبادة التي هي عباد الأحرار. فإذا فاتتك درجة الأحرار والأبرار فلا تفوتنك درجة التجار وهو العمل رجاء للعوض، فإن فاتتك هذه المرتبة, فاجلس مع العبيد في مجالسهم وشاركهم في مقاصدهم، إنما يعلمون ويخدمون في الغالب خوفاً من الضرب والعقوبة وهي غاية الخوف من العقاب.
وتقلد في نيتك وقصدك المنة لله وتقدس بإذنه إياك في المناجاة مع سوء أدبك وكثرة عصيانك.
وعظم في نفسك قدر مناجاته وانظر من تناجي وكيف تناجي وبما تناجي وعند هذا ينبغي أن يعرق جبينك من الخجلة، وترتعد فرائصك من الهيبة ويصفر وجهك من الخوف، كما روي في ما تقدر عن بعض أزواج النبي (ص) قالت: (كان رسول الله يحدثنا ونحدثه فإذا حضرت الصلاة فكأنه لم يعرفنا ولم نعرفه، شغلاً بالله عن كل شيء).
وقال الصادق (ع): ( الإخلاص بجميع حواصل الأعمال وهو معنى مفتاحه القبول وأدنى حد الإخلاص بذل العبد طاقته، ثم لا يجعل لعلمه عند الله قدراً فيوجب به على ربه مكافأة لعمله، فإنه لو طالبه بوفاء حق العبودية لعجز وأدنى مقام المخلص في الدنيا السلامة من جميع الآثام وفي الآخرة النجاة من النار والفوز بالجنة).
وقال الصادق (ع): ( صاحب النية الصادقة، صاحب القلب السليم لأن سلامة القلب من هواجس المحذورات بتخلص النية لله في الأمور كلها.
قال الله تعالى: ﴿يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ** إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾
ثم النية تبدو من القلب على قدر صفاء المعرفة وتختلف على حسب اختلاف الإيمان في معنى قوته وضعفه.
وصاحب النية الخالصة، نفسه وهواه معه مقهوران تحت سلطان تعظيم الله والحياء منه.
v في أسرار تكبيرة الإحرام
الثالث: تكبيرة الإحرام ومعناها: إن الله سبحانه أكبر من كل شيء أو أكبر من أن يوصف أو من أن يدرك بالحواس، أو يقاس بالناس، فإذا نطق به لسانك فينبغي أن لا يكذبه قلبك، فإن كان في قلبك شيء هو أكبر من الله تعالى يشهد أنك لكذاب، وإن كان الكلام صدقاً كما شهد على المنافقين في قولهم إنه (ص) رسول الله.
فإن كان هواك أغلب عليك من أمر الله وأنت أطوع له منك لله، فقد اتخذته إلهك وكبرته، فيوشك أن يكون قولك: الله أكبر، كلاًما باللسان المجرد وقد تخلف القلب عن مساعدته، وما أعظم الخطر في ذلك لولا التوبة والاستغفار وحسن الظن بكرم الله وعفوه.
قال الصادق (ع): ( إذا كبرت فاستصغر ما بين السموات العلى والثرى دون كبريائه).
فإن الله تعالى إذا طلع على قلب العبد وهو يكبر وفي قلبه عارض عن حقيقة تكبيره قال: (يا كاذب أتخدعني؟ وعزتي وجلالي لأحرمنك حلاوة ذكري ولأحجبنك عن قربي والمسرة بمناجاتي).
فاعتبر قلبك حين صلاتك، فإن كنت تجد حلاوتها، وفي نفسك سرورها وبهجتها وقلبك مسرور بمناجاته ملتذ بمخاطباته، فالعم أنه قد صدقك في تكبيرك له، وإلا فقد عرف من سلب لذة المناجاة وحرمان حلاوة العبادة، أنه دليل على من تكذيب الله لك، وطردك عن بابه.
v في أسرار دعاء التوجه ومعناه:
وأما دعاء التوجه: فأول كلماته قولك:﴿إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ وليس المراد بالوجه الوجه الظاهر فإنك إنما وجهته إلى جهة القبلة، والله سبحانه تقدس عن أن تحده الجهات حتى تقبل بوجه بدنك عليه، وإنما وجه القلب هو الذي يتوجه به إلى الله فاطر السموات والأرض.
فانظر إلى وجه قلبك أمتوجه هو إلى أمانيه وهمه في البيت والسوق وغيرهما، متبع للشهوات أم مقبل على فاطر السموات؟..
وإياك أن تكون مفاتحتك للمناجاة بالكذب والاختلاق فيصرف وجه رحمته عنك، وقبوله في ما بقي على الإطلاق، ولن ينصرف الوجه إلى الله تعالى إلا بالانصراف عما سواه، فإن القلب بمنزلة مرآة وجهها صقيل وظهرها كدر لا يقبل انطباع الصور، فإذا توجهت إلى شيء انطبع فيها، واستدبرت غيره، ولا يمكن انطباعه، ولهذا كانت الدنيا والآخرة ضرتين، كلما قربت من إحداهما بعدت عن الأخرى.
فاجتهد في الحال في صرفه إليه وإن عجزت عنه على الدوام فليكن قولك في الحال صادقاً عسى أن يسامحك في الغفلة بعد ذلك.
وإذا قلت: ﴿حنيفاً مسلماً﴾ فينبغي أن تحضر في بالك أن المسلم هو الذي (سلم المسلمون من يده ولسانه).
فإن لم تكن كذلك كنت كاذباً. فاجتهد أن تعزم عليه في الاستقبال وتندم على ما سبق من الأحوال.
وإذا قلت: ﴿وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ فاحضر ببالك الشرك الخفي وأن قوله تعالى ﴿فمن كان يرجو لقاء ربه﴾ إلخ، جعل من يقصد بعبادة ربه، وجه الله وحمد الناس مشركاً.
فاستشعر الخجلة في قلبك إن وصفت نفسك بأنك لست من المشركين من غير من هذا الشرك، فإن اسم الشرك يقع على القليل والكثير منه.
وإذا قلت:﴿محياي ومماتي لله﴾ فاعلم إن هذا حال عبد مفقود لنفسه موجود لسيده وإنه إن صدر عن غضبه وضاه، قيامه وقعوده ورغبته في الحياة ورهبته من الموت لأمور الدنيا، لم يكن ملائما للحال.
v في أسرار القراءة ووظائفها
الرابع: القراءة ووظائفها لا تكاد تنحصر ولا يحيط بها قوة البشر وإن الاعتناء بشأنها يخرج عن وضع الرسالة لأنها حكاية كلام الله جل جلاله المشتمل على الأساليب العجيبة والأوضاع الغريب، والأسرار الدقيقة، والحكم الأنيقة وليس المقصود منها مجرد حركة اللسان، بل المقصود معانيها وتدبرها، ليستفيد منها حكمة وحقائق، وأسرار وترغيباً وترهيباً وأمراً ونهياً ووعداً ووعيداً وذكر أنبيائه ونعمه إلى غير ذلك من الفوائد فإذا أنه عدوك ومترصد لصرف قلبك عن الله تعالى حسداً لك على مناجاتك مع الله تعالى، وسجودك له، مع أنه لعن بسبب سجدة واحدة تركها، وأن استعاذتك بالله منه، وبترك ما يحبه وتبديله بما يحب الله تعالى، لا بمجرد قولك: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم).
فإن من قصده سبع أو عدو ليفترس أو يقتله فقل أعوذ منك بذلك الحصن الحصين وهو ثابت في مكانه فإن ذلك لا ينفعه بل لا يعيذه إلا تبديل المكان فكذلك من يتبع الشهوات التي هي محل الشيطان ومكارة الرحمن، فلا ينفعه مجرد القول، قليقرن قوله بالعزم على التعود بحصن الله تعالى من شر الشيطان وحصنه ( لا إله إلا الله) إذ قال تعالى في ما أخبر عنه نبينا (ص) ( لا إله إلا الله حصني والمتحصن به من لا معبود له سوى الله تعالى).
فأما من اتخذ إلهه هواه فهو في ميدان الشيطان لا في حصن الله.
ومن دقائق مكائده أن يشغلك في الصلاة بذكر الآخرة وتدبر فعل الخيرات، ليمنعك عن فهم ما تقول وتقرأ.
فاعلم أن كل ما يشغلك عن فهم معاني قراءتك فهو وسواس فإن حركة اللسان غير المقصودة بل المقصود معانيها كما مر.
والناس في القراءة على ثلاثة أقسام: فمنهم من يحرك لسانه بها ولا يتدبر قلبه لها، وهذا من الخاسرين الداخلين في توبيخ الله سبحانه وتهديده بقوله: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ ودعاء نبيه (ص): ( ويل لمن لاكها بين لحييه ثم لا يتدبرها).
ومنهم من يحرك لسانه وقلبه يتبع اللسان فيسمع ويفهم منه كأنه يسمعه من غيره وهذه درجة أصحاب اليمين.
ومنهم من يسبق قلبه إلى المعاني أولاً ثم يخدم اللسان قلبه فيترجمه وهذه درجة المقربين.
وفرق جلي بين أن يكون اللسان ترجمان القلب كما في هذه الدرجة وبين أن يكون معلمه كما في الدرجة الثانية فالمقربون لسانهم ترجمان يتبع القلب ولا يتبعه القلب.
v في تفصيل ترجمة القرآن وما يتعلق بها
وتفصيل ترجمة المعاني على سبيل الاختصار أنك إذا قلت ﴿بسم الله الرحمن الرحيم﴾ فانو به التبرك لابتداء القراءة لكلام الله تعالى وافهم أن معناه أن الأمور كلها بالله وأن المراد ههنا بالاسم هو المسمى وإذا كانت الأمور كلها بالله فلا جرم كان: ﴿الحمد لله﴾، ومعناه أن الشكر لله إذ النعم من الله ومن يرى غير الله نعمة، أو يقصد غير الله بشكر لا من حيث أنه مسخر من الله، ففي تسميته وتحميده نقصان بقدر التفاته إلى غير الله.
فإذا قلت: ﴿رب العالمين﴾ فاحضر في قلبك أن العالمين كلها مربوب مثلك بربويته، مستغرق في نعمته.
فإذا قلت: ﴿الرحمن الرحيم﴾ فاحضر في قلبك أنواع لطفه لتنفتح لك رحمته فينبعث بها رجاؤك.
ثم استشعر من قلبك التعظيم والخوف بقولك: ﴿مالك يوم الدين﴾ أما العظمة، فلأنه لا ملك إلا له وأما الخوف فلهول يوم الجزاء والحساب الذي هو مالكه.
ثم جدد الإخلاص بقولك: ﴿إياك نعبد﴾ وجدد العجز والاحتياج والتبري عن حولك وقوتك، بقولك: ﴿وإياك نستعين﴾ وتحقق أنه ما تسير طاعتك إلا بإعانته وإن المنة له إذ وفقك لطاعته، واستخدمك لعبادته وجعلك أهلاً لمناجاته. ولو حرمك التوفيق لكنت من المطرودين مع الشيطان الرجيم اللعين.
ثم إذا فرغت عن التفويض بقولك: ﴿بسم الله الرحمن الرحيم﴾ وعن التحميد وعن إظهار الحاجة إلى الإعانة مطلقاً فعين سؤالك ولا تطلب إلا أهم حاجاتك وقل: ﴿أهدنا الصراط المستقيم﴾ الذي يسوقنا إلى جوارك ويفضي بنا إلى مرضاتك.
وزده شرحاً وتفصيلاً وتأكيداً واستشهد بالذين أفاض عليهم نعمة الهداية من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين دون الذين غضب الله تعالى عليهم ﴿غير المغضوب عليهم ولا الضالين﴾ من الكفار الزائغين من اليهود والنصارى والصائبين.
فإذا تلوت الفاتحة كذلك فيشبه أن تكون ممن قال الله تعالى فيهم فيما أخبر النبي (ص): ( قسمت الفاتحة بيني وبين عبدي نصفين فنصفها لي ونصفها لعبدي، يقول العبد الحمد لله رب العالمين فيقول الله: حمدني وأثنى علي) وهو معنى قوله:(سمع الله لمن حمده...) الحديث.
فلو لم يكن من صلاتك حظ سوى ذكر الله في جلاله وعظمته فناهيك به غنيمة فكيف ترجوه من ثوابه وفضله.
وكذلك ينبغي أن تفهم ما تقرأ من السورة فلا تغفل عن أمره ونهيه ووعده ووعيد، وموعظة وأخبار أنبيائه وذكر منته وإحسانه. فلكل واحد حق: فالرجاء حق الوعد، والخوف حق الوعيد، والعزم حق الأمر والنهي، والاتعاظ حق الموعظة والشكر حق تذكر المنة والاعتبار حق أخيار الأنبياء.
v فيما يتعلق بقراءة القرآن مطلقاً
تفصيل وظيفة قراءة القرآن:
وتفصيل وظيفة قراءة القرآن لا يحتمله هذا المحل لكنا نذكر جملة منه في آخر الفصل.
وبالجملة ففهم معاني القرآن يختلف بحسب درجات الفهم، والفهم يختلف بحسب وفور العلم، وصفاء القلب، ودرجات ذلك لا تنحصر والصلاة مفتاح القلوب، فيها تنكشف أسرار الكلمات.
فهذا حق القراءة وهو أيضاً حق الأذكار والتسبيحات ثم يراعي الهيئة في القراءة زيادة على التدبر فرتل ولا تسرد فإن ذلك أيسر للتأمل. ويفرق بين نغماته في آية الرحمة والعذاب والوعد والوعيد والتحميد والتمجيد، وروي أنه يقال لقاريء القرآن: (اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا).
ومن وظائف القراءة من الأثر قول الصادق (ع): ( من قرأ القرآن ولم يخضع له ولم يرق قلبه ولم ينشئ حزناً ورجلاً في سره، فقد استهان بعظيم شأن الله تعالى وخسر خسراناً مبيناً).
فقارئ القرآن يحتاج إلى ثلاثة أشياء: قلب خاشع وبدن فارغ، وموضع خال، فإذا خشع لله قلبه، فر من الشطان الرجيم. قال الله تعالى ﴿ {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ فإذا فرغ نفسه من الأسباب تجرد قلبه للقراءة فلا يعترضه عارض، فيحرمه نور القرآن وفوائده.
وإذا اتخذ مجلساً خالياً واعتزل عن الخلق بعد أن أتى بالخصلتين الأوليين: خضوع القلب وفراغ البدن، استأنس روحه وسره بالله، ووجد حلاوة مخاطبات الله عباده الصالحين، وعلم لطفه بهم ومقام اختصاصه لهم، بفنون كراماته، وبديع إشاراته فإذا شرب كأساً من هذا المشرب لا يختار على ذلك الحال حالاً ولا على ذلك الوقت وقتاً، بل يؤثره على كل طاعة وعبادة، لأن فيه المناجاة مع الرب بلا واسطة.
فانظر كيف تقرأ كتاب ربك، ومنشور ولايتك وكيف تجيب أوامره وتتجنب نواهيه وكيف تتمثل حدوده﴿ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ** لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ فرتله ترتيلاً وقف عند وعده ووعيده، وتفكر في أمثالة ومواعظه، واحذر أن تقع من إقامتك حروفه أي : ترتيله في إضاعة حدوده.